الثلاثاء، 14 سبتمبر 2010

حتى لا يصبح تقييم التدريب مجرد كلام!

هذا الكلام ليس علميا تماما، إنه يشبه طرح الأسئلة المزعجة، تلك الأسئلة التي نتفادى أحيانا أن نسألها في "الدول النامية"، لأن المناخ العام لمؤسساتنا يفرض نمطا غريبا من المجاملة التي تتم على حساب العمل، تحت ستار العلاقات الإنسانية أحيانا، وأحيانا لأسباب أخرى لسنا معنيين بها هنا.
يرتبط التقييم في أذهاننا غالبا، بالنقد والمسائلة والمحاسبة، ولعله يتعدى كل ذلك لدى البعض إلى الشعور بالنقص، وعدم وجود التقييم يمنحنا مستوى من الراحة النفسية وقدرا من الثقة المزيفة بأن كل شيء على ما يرام!
وهذا بالتأكيد تصور خاطئ، لاسيما وأنه يتعلق بأداء مؤسسي وثيق الصلة بتحقيق المعدلات المستهدفة من الكفاءة والإنتاجية، لأن التقييم يعني في أبسط معانيه إعطاء قيمة أو وزن لشيء أو عمل ما، فإذا كانت قيمة التدريب ونتائجه أقل من تكلفته أو أن تكلفته أكبر من خيارات أخرى لدى المؤسسة للوصول إلى أهدافها، احتاجت جهود التدريب وأنشطته إلى إعادة نظر.
و يعلق أحد الخبراء الأجانب حول الضعف في توظيف أدوات ذات كفاءة في عملية تقييم التدريب في إحدى مقالاته بقوله "عندما يتعلق الأمر بالتقييم، فكل الذي تسمعه مجرد كلام" وهذا الواقع ليس وضعا عربيا خاصا، حيث خرجت دراسة أجريت في بريطانيا أن 82% من المشغلين employers لم يجروا أي محاولة لتقييم الفوائد المتحققة من التدريب المنفذ في مؤسساتهم، كما تشير دراسة أحدث أجريت على المؤسسات الأمريكية أن حوالي 50% من تلك المؤسسات لا تستخدم في تقييم برامجها التدريبية سوى أدوات التقييم التي تقيس "ردة فعل أو انطباع المتدرب" reaction وهو المستوى الأول من نموذج التقييم الشهير ذي المستويات الأربع ل kirkpatrick والزملاء العرب المشتغلون في قطاع التدريب لعلهم على دراية تامة بأن المقصود هنا غالبا هو ذلك الاستبيان الذي يتم توزيعه على المتدربين ويشمل بنود ( ملائمة المكان والزمان وفترات الاستراحة والانطباع العام حول أسلوب المدرب ومدى تحقق أهداف البرنامج الخ) وكل ذلك يتم تقييمه من خلال انطباع المتدرب، لذا نسمي عادة هكذا تقييم "قياس مستوى الرضا level of Satisfaction أي رضا المتدرب عن البرنامج.
وفيما تحفل المكتبة الأجنبية بعديد الكتب والدراسات التي تخصصت في تقييم التدريب، تعاني المكتبة العربية من شح واضح في المعرفة العلمية المتعلقة بأدوات التقييم والاعتماد شبه الكلي على (الأدوات الكمية) – إن جاز التعبير- في إعطاء صورة مختصرة عن فعالية البرامج التدريبية، وهذا أحد أسباب ضعف مستوى تقييم التدريب، بالإضافة إلى أن عملية التقييم نفسها في الواقع ليست مهمة سهلة، كما أن اعتماد نتائجها يحتاج إلى دعم واضح ومستمر من الإدارة العليا في أي مؤسسة، وتعاون الشركاء في عملية التدريب.

التدوينات والمقالات القادمة خلال شهري سبتمبر وأكتوبر في مدونة أفكار وقضايا في التدريب ستركز على هذا المكون الأساسي والحاسم من مكونات عملية التدريب ومراحلها المهمة التي لا تبدأ عند بدء البرنامج ولا يجب أن تنتهي بنهايته، وستعالج المقالات المفاهيم العامة لتقييم التدريب ونماذجه الأكثر شيوعا والانتقادات التي وجهت إليها، والأدوات التي يمكن توظيفها لضمان أكبر عائد ممكن لعملية التقييم، واستعراض لأحدث الإصدارات الأجنبية في هذا المجال الهام.

هناك 6 تعليقات:

رحمة الهاشمية يقول...

السلامُ عليك أستاذنا الفاضل /أحمد الغافري

تدوينة مرتبة وراقية جداً وهي هادفة وأشبه ما تكون قاعة تعليمية ما شاء الله ..وفي الحقيقة أنني ليست لديّ معلومات عن معنى مصطلح الموارد البشرية
فهل يمكن أن تخبرني عن معنى هذا المصطلح لأنني أهتّمُ بالتنمية البشرية بالقراءة والمشاهدة للمواد العلمية فهل يوجد ترابط بين الموارد البشرية والتمية البشرية ؟؟

أعتقد أنني سأكون مستفيدة جداً من مدونتك إن وجدتُ الإجابة على سؤالي السابق

حفظك البارئ وأدامك مبدعاً

رحـمة الهاشمية

أحمد الغافري يقول...

أختي رحمة، سلام الله عليك.. قرأت مقالك الأخير في صحيفة الوطن، واطلعت على مدونتك منذ فترة أثناء "تجوالي" بمدونات عمانية.. لفتت انتباهي مجموعة أفكار، لكن الوقت لم يتح لي فرصة للتعليق.. أهنئك على نشاطك وحيوية أفكارك.. قرأت تعليقك وسؤالك هنا وأنا للتو وصلت من رحلة طويلة.. سؤالك "سهل ممتنع" سأعود للتعليق عليه.. شكرا لمرورك ولذوقك الرفيع.. كل التوفيق

رحمة الهاشمية يقول...

وعليك السلام ورحمة الله

عوداً حميداً حللت أهلاً ونزلت سهلا..يشرفني متابعتك لكتاباتي ^ ^ وبالطبع سأستمع لأفكارك وسأترقب الإجابة :)

كُن بخير

حاتم يقول...

جميل ما خط قلمك استاذي أحمد الغافري ..

أما بخصوص تساؤل رحمة حول الفارق بين الموارد البشرية والتنمية البشرية فالجواب هاهنا :

الموارد البشرية : وهي تعني الافراد المؤهلين اللازمين لأي مشروع كان , بمعنى ان المورد البشري يمثل الانسان المؤهل ..

التنمية البشرية : فهي تعني التدريب , التأهيل , تمويل مبادرات الافراد , بمعنى انها صناعة الانسان المؤهل وتطوير افكاره ودعم مبادراته ..

تحياتي
حاتم

أحمد الغافري يقول...

أخي حاتم، سعيد بصدق لوجودك هنا ومتابعتك.. مدونتك "نور العالم" مدهشة ومختلفة لأنك شخص مختلف ومدهش بعمق رؤيتك وثقافتك، واستمتعت بتصفحها وبحق لأول مرة أتعرف عليها من خلال رابطك.. وتعرفت عليك من خلالها طالما أنها "امتداد للذات"...

وما عليك زود بالنسبة لإجابتك على سؤال رحمة..

هل فهمت الرابط الآن يا رحمة بين الموارد البشرية والتنمية البشرية؟ كل الموارد بحاجة إلى تنمية... أحيلك أيضا إلى مقالي (القيمة الاقتصادية للتدريب) ضمن أرشيف المدونة لشهر أغسطس، ذاك المقال أو التدوينة تعبر إلى حد ما عن "رؤيتي" للتدريب والتنمية البشرية...


خالص التقدير لكما..

rasha يقول...

ا.احمد شكرا ع المدونة الرائعه اسفتدت منها كثيرا لانها تلمس الواقع باغلب المؤسسات وهي انعكاس لعمق تفكيرك وسعه افقك شكرا جزيلا لك