السبت، 25 سبتمبر 2010

مـا الذي يـنبغي تــقييمه في التدريب؟



بالرغم مما تنفقه المؤسسات الحكومية والخاصة على التدريب، إلا أن هناك شبه إجماع على خلل ما في الأدوات والإجراءات التي يتم توظيفها فعليا لتقييم التدريب، إنها "مشكلة" احتلت حيزا كبيرا من أدبيات التدريب وبحوثه ومؤتمراته، وستبقى كذلك، طالما أن العالم بمعطياته شديدة التسارع يفرض أنماطا مختلفة من الإنتاج ويفرض مستويات جديدة من التنافسية، التي تستدعي مزيدا من القوى البشرية المدربة والمؤهلة، وبالتالي توقعات أكبر من عمليات التدريب المستمرة.

ولأجل تمكين التقييم من إعطاء نتائج فعلية يمكن البناء عليها مستقبلا، ينبغي أن نحدد سلفا ما الذي نود تقييمه في البرنامج التدريبي، وهنا يمكن توظيف أكثر من نموذج أو إطار نظري سنتطرق إليها تباعا بإذن الله من خلال المدونة، واستنادا لأغلب تلك "النماذج training evaluation models، فإن تقييم التدريب يستهدف تقييم:

1)      المدخلات: أهداف البرنامج التدريبي، تأليف و تصميم المحتوى التدريبي، المواد التعليمية التي سيتم توزيعها للمتدربين، الطرق التي سيتم توظيفها في التدريب، مهارات ومعارف وتمكن المدرب، مكان وزمان تنفيذ البرنامج، التسهيلات والمواد المقدمة لتنفيذ التدريب.

وحين نقول مثلا تقييم أهداف البرنامج التدريبي، نقصد بذلك أن تتم صياغتها بشكل متقن وعملي، والطريقة الشائعة في هذا الصدد هي إخضاع تلك الأهداف لآلية  SMART أي (specific  محددة، measurable قابلة للقياس، achievable يمكن تحقيقها، مترابطة أو ذات صلةrelevant ، ومحددة بوقت timed)، وأعني بهذا المثال أن يتم توظيف مجموعة خطوات أو إجراءات للتحقق من فعالية كل مكون في فئة المدخلات.

2)      العمليات: تنفيذ التدريب، تفاعل المشاركين، مستوى ونوعية الأنشطة المقدمة لإيصال محتوى التدريب وتحقيق أهدافه، الإجراءات التي يتبعها المدرب لتنفيذ تلك الأنشطة وتقييم نتائجها والبناء عليها.

3)      المخرجات أو النتائج: مدى تحقق الأهداف، مدى تنفيذ المحتوى المستهدف، التغيير (الحذف أو الإضافة) الذي حصل لمحتوى البرنامج، قدر أو حجم التعلم الذي تم إكسابه للمتدربين، وكذلك التعلم القابل للنقل إلى حيز التطبيق، قياس رضا المتدربين، التقييم الذاتي للمدرب، قياس العائد على التدريب، تقييم أداء المتدربين على المدى القريب والمتوسط والبعيد.

كما يشار أحيانا إلى مستويين من تقييم التدريب هما: التقييم الذاتي أو الداخلي، internal، والتقييم الخارجي external، يشمل التقييم الذاتي كل الإجراءات الأدوات التي تستهدف تقييم التدريب نفسه كمحتوى تعلم من حيث الأهداف والمحتوى وأساليب التدريب الخ، والتقييم الخارجي يتناول أثر التدريب على بيئة العمل، وبمعنى آخر الفرق بين أداء المتدربين قبل التدريب وبعده، وتذهب بعض الدراسات إلى إضافة الأداء الفردي والمؤسسي  individual & organizational performance قبل التدريب وبعده.

وفي حال تم توظيف الأساليب الصحيحة في تقييم التدريب وضمن المراحل المناسبة، فإن المحصلة النهائية للتقييم الفعال، ينبغي أن تثمر عن قناعات محددة بشأن البرنامج التدريبي، وهي:

1)      مدى أهمية البرنامج فعليا لأهداف المؤسسة وتوجهاتها.

2)      مدى فعالية تنفيذ البرنامج، ورضا المستهدفين عن مستوى التنفيذ.

3)      الأهداف الوجدانية والمهارية والمعرفية التي حققها البرنامج.

4)          إمكانية توظيف محتوى البرنامج في حيز التطبيق "مكان العمل".

5)      تقديم نتائج  وعوائد مجزية للمؤسسة مقارنة بالتكاليف.

إلى حد كبير هذا الكلام عام ويمكن اعتباره كمقدمة،  والمدونات القادمة ستتناول الموضوع بالتفصيل، بإذن الله.

الثلاثاء، 14 سبتمبر 2010

حتى لا يصبح تقييم التدريب مجرد كلام!

هذا الكلام ليس علميا تماما، إنه يشبه طرح الأسئلة المزعجة، تلك الأسئلة التي نتفادى أحيانا أن نسألها في "الدول النامية"، لأن المناخ العام لمؤسساتنا يفرض نمطا غريبا من المجاملة التي تتم على حساب العمل، تحت ستار العلاقات الإنسانية أحيانا، وأحيانا لأسباب أخرى لسنا معنيين بها هنا.
يرتبط التقييم في أذهاننا غالبا، بالنقد والمسائلة والمحاسبة، ولعله يتعدى كل ذلك لدى البعض إلى الشعور بالنقص، وعدم وجود التقييم يمنحنا مستوى من الراحة النفسية وقدرا من الثقة المزيفة بأن كل شيء على ما يرام!
وهذا بالتأكيد تصور خاطئ، لاسيما وأنه يتعلق بأداء مؤسسي وثيق الصلة بتحقيق المعدلات المستهدفة من الكفاءة والإنتاجية، لأن التقييم يعني في أبسط معانيه إعطاء قيمة أو وزن لشيء أو عمل ما، فإذا كانت قيمة التدريب ونتائجه أقل من تكلفته أو أن تكلفته أكبر من خيارات أخرى لدى المؤسسة للوصول إلى أهدافها، احتاجت جهود التدريب وأنشطته إلى إعادة نظر.
و يعلق أحد الخبراء الأجانب حول الضعف في توظيف أدوات ذات كفاءة في عملية تقييم التدريب في إحدى مقالاته بقوله "عندما يتعلق الأمر بالتقييم، فكل الذي تسمعه مجرد كلام" وهذا الواقع ليس وضعا عربيا خاصا، حيث خرجت دراسة أجريت في بريطانيا أن 82% من المشغلين employers لم يجروا أي محاولة لتقييم الفوائد المتحققة من التدريب المنفذ في مؤسساتهم، كما تشير دراسة أحدث أجريت على المؤسسات الأمريكية أن حوالي 50% من تلك المؤسسات لا تستخدم في تقييم برامجها التدريبية سوى أدوات التقييم التي تقيس "ردة فعل أو انطباع المتدرب" reaction وهو المستوى الأول من نموذج التقييم الشهير ذي المستويات الأربع ل kirkpatrick والزملاء العرب المشتغلون في قطاع التدريب لعلهم على دراية تامة بأن المقصود هنا غالبا هو ذلك الاستبيان الذي يتم توزيعه على المتدربين ويشمل بنود ( ملائمة المكان والزمان وفترات الاستراحة والانطباع العام حول أسلوب المدرب ومدى تحقق أهداف البرنامج الخ) وكل ذلك يتم تقييمه من خلال انطباع المتدرب، لذا نسمي عادة هكذا تقييم "قياس مستوى الرضا level of Satisfaction أي رضا المتدرب عن البرنامج.
وفيما تحفل المكتبة الأجنبية بعديد الكتب والدراسات التي تخصصت في تقييم التدريب، تعاني المكتبة العربية من شح واضح في المعرفة العلمية المتعلقة بأدوات التقييم والاعتماد شبه الكلي على (الأدوات الكمية) – إن جاز التعبير- في إعطاء صورة مختصرة عن فعالية البرامج التدريبية، وهذا أحد أسباب ضعف مستوى تقييم التدريب، بالإضافة إلى أن عملية التقييم نفسها في الواقع ليست مهمة سهلة، كما أن اعتماد نتائجها يحتاج إلى دعم واضح ومستمر من الإدارة العليا في أي مؤسسة، وتعاون الشركاء في عملية التدريب.

التدوينات والمقالات القادمة خلال شهري سبتمبر وأكتوبر في مدونة أفكار وقضايا في التدريب ستركز على هذا المكون الأساسي والحاسم من مكونات عملية التدريب ومراحلها المهمة التي لا تبدأ عند بدء البرنامج ولا يجب أن تنتهي بنهايته، وستعالج المقالات المفاهيم العامة لتقييم التدريب ونماذجه الأكثر شيوعا والانتقادات التي وجهت إليها، والأدوات التي يمكن توظيفها لضمان أكبر عائد ممكن لعملية التقييم، واستعراض لأحدث الإصدارات الأجنبية في هذا المجال الهام.