الأربعاء، 6 أكتوبر 2010

التعاقد مع المتدرب لتطبيق محتوى التدريب: ابحث عن ثقافة المؤسسة؟

يمكنكم أن تعتبروا هذا الكلام من قبيل (الدردشة المهنية العابرة) و ليس خروجا عن إلتزامي بأن تكون مقالات شهري سبتمبر وأكتوبر مخصصة لتقييم التدريب، لأن فكرة التعاقد مع المتدرب قبل ترشيحه لحضور أي برنامج شغلت تفكيري طوال ساعات مضت، وهي للأمانة ليست (سبقا مهنيا) لأنني وجدت بعض الدراسات قد أشارت إليها من قبل، كما أن بعض المؤسسات في أكثر من دولة (استراليا واليابان، على الأقل) قد طبقتها فعليا بصور ومستويات مختلفة، وأوصت بعض الدراسات العلمية بتطبيقها كممارسة مرتبطة بتجويد التدريب.
***
أثناء إلقائي عرضا حول كتاب Leslie Rea الذي شاركتكم جزءا منه في المقال السابق بعنوان (في البدء كانت الأسئلة... نحو فهم أفضل لعملية تقييم التدريب) طرحت السؤال التالي على الحضور، ما رأيكم في فكرة التعاقد مع المتدرب لنقل أثر التدريب بعد عودته من البرنامج الذي يوفد إليه؟
الزملاء وعددهم (6) انقسموا بين مؤيد ومعارض ومشكك في فعالية هكذا ممارسة... البروفسور أجاب باقتضاب : look Ahmed, if your organization is willing to do that, you are lucky.. the whole thing depends on the organization culture..
(انظر أحمد، إذا كانت المؤسسة التي تعمل بها مستعدة لتطبيق ذلك، فأنت محظوظ... الأمر برمته يعتمد على ثقافة المؤسسة)!
                                                        ***
فتحت إجابة البروفسور مزيدا من الأسئلة والنقاش الإيجابي، قالت إحدى الطالبات بأن الشركة التي تعمل بها تعمد إلى ما يشبه هذا الاقتراح، حيث يوقع المتدرب قبل الذهاب إلى البرنامج التدريبي تعهدا يقر بموجبه بمسئوليته عن كتابة تقرير مفصل حول المعارف والمهارات التي تعلمها والممارسات التطبيقية التي يقترح تبنيها نتيجة للتعلم الجديد، وأيضا يلتزم بإعادة تدريب زملاءه...
***
الفصل السابع من قانون الخدمة المدنية في سلطنة عمان، يشير في مواده (54،55) على أن "التدريب واجب على جميع الموظفين" و تعتبر الفترة التي يقضيها الموظف في التدريب فترة عمل" كما يعتبر القانون التخلف عن التدريب "إخلالا بواجبات الوظيفة" ورغم التأكيد الواضح على إلتزام الموظف وإمكانية مساءلته في حال تعمد ارتكاب هذا "الإخلال" لا توجد إشارة إلى أية إلتزام آخر يقع على المتدرب فيما يتعلق بعودته إلى مكان العمل، وربما لم ير المشرع حاجة – حتى الآن- لتضمين ذلك حرفيا، طالما أن واجبات الوظيفة تقتضي نقل أثر التدريب،وأيضا يمكن فهم ذلك من خلال فرضية أن التدريب تم تنفيذه في الأصل "وفقا لمتطلبات العمل" كما ورد في المادة 54 من نفس القانون.
طالعت لوائح التدريب في قوانين الخدمة المدنية في دول عربية مختلفة، وبالأخص في المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين... الأمر لا يختلف كثيرا... وفي قانون الخدمة المدنية بالسعودية عدة بنود حول المصروفات التي تمنح للمتدرب في الخارج وبيانات حول المكافآت وتأكيد أيضا على "أن يكون للدورة علاقة بالعمل الذي يقوم به"... لكن كل القوانين تخلو من (تثبيت) التعاقد مع المتدرب على تطبيق ما تم تدريبه عليه كبند أو شرط للموافقة على ترشيحه للتدريب... 
طيب،،
هل نلوم لوائح وزارات الخدمة المدنية؟ لا يمكن أن نلقي باللوم على لوائح الوزارة، حيث أن هكذا قوانين تتطور مع تطور ثقافة المؤسسة وتتفاعل مع متطلباتها، ثم أن هكذا فكرة (أعني التعاقد مع المتدرب لنقل أثر التدريب) فيها كثير من التفصيل (الوظيفي) الذي يجب أن يعنى به الرؤساء المباشرون ويتناسب أكثر مع طريقة إدارتهم لشئون أقسامهم ودوائرهم، واللوائح غالبا تتناول العموميات والأطر و في كل الأحوال، يمكننا أن نتفاءل بأن نرى أمرا مشابها يوما ما، خاصة في حال تدخل وحدات تنمية موارد البشرية في الوزارات المدنية لتأكيد مثل هذه القوانين، ومرة أخرى هذا يتطلب نقاشا علميا بناء وعميقا وقبل هذا دعما من رؤساء ومدراء دوائر التدريب، وإعادة الاعتبار لمركزية التدريب في أي منظمة/مؤسسة تضع بشكل صادق تحسين أداءها، وأيضا الالتفات إلى حجم الإنفاق المتزايد على مخصصات التدريب، التي يجب أن ينظر إليها كاستثمار يحقق عوائد يمكن قياسها بأدوات محددة سنتناولها تباعا هنا...

المتدرب غالبا ما يسأل عن (الحقوق) لكنه يتناسى (الواجبات)، و دافعية المتدرب لتحويل التدريب إلى حيز التطبيق تتأثر بعوامل عدة منها الخارجي، وهكذا تعاقد قد يدفع (من الدافعية) المتدرب إلى إعادة النظر ليس في جديته أثناء حضوره البرامج التدريبية، بل في ترشحه لدورة هو ليس بحاجة إليها أصلا، وهنا قد "تتداعى" ثمار إيجابية أخرى من بينها أن احتمالية إشراك المتدرب في تحديد احتياجاته التدريبية (التي سيلتزم لاحقا بتطبيقها) ستزيد، وكل ممارسة مهنية مسئولة بالتأكيد ستضيف المزيد من الفعالية لمنظومة التدريب في أي مؤسسة.
***
هل قلت شيئا جديدا؟ لا أظن... كنت أفكر بصوت عال وأصابعي على (الكيبورد) وأرجو أن أتعرف على وجهات نظركم حول هذا الأمر...  ذات النقاش  المهني الجاد في مؤسساتنا يجب أن يستمر، لكن مع ميل أكبر باستمرار لتطبيق المعارف الجديدة، والأهم استعداد "شجاع" للتغيير ... التغيير نحو الأفضل طبعا!

الجمعة، 1 أكتوبر 2010

في البدء كانت الأسئلة: نحو فهم أفضل لعملية تقييم التدريب!

في كتابها المعنون ب (كيف تقيس فعالية التدريب?) How to measure training effectiveness تقدم Leslie Rea مجموعة أسئلة، أرى أنها مهمة لفهم عملية تقييم التدريب، وكذلك أساسية سواء للمشرف على تقييم التدريب أو المدرب أو المساهمين في تأليف وتصميم البرامج التدريبية، سأطرح الأسئلة الواردة بقدر من التبسيط والاختصار، وأود أن أشير في البداية إلى أن أهمية هذه الأسئلة تكمن – من وجهة نظري- في أنها تقدم إطارا معرفيا وعمليا تمكن الممارس من اختيار النموذج النظري المناسب لبناء أدوات التقييم الأكثر فعالية لمؤسسته وفقا لطبيعة أنشطتها وهيكلها التنظيمي وثقافتها المهنية السائدة، أعني بذلك أن ما يناسب مشرف الإنماء المهني في مدرسة يختلف عما يناسب أخصائي التدريب في شركة تسويق وإعلانات، ويختلف عن ما يناسب مسئول التدريب في مصنع أغذية يعتمد قياس الأداء فيه على الوحدات المنتجة يوميا من منتج معين...

الأسئلة الواردة في كتاب Leslie Rea مرتبة وفقا لمكونات عملية التدريب نفسها كالتالي:

محتوى التدريب:
هل محتوى التدريب وثيق الصلة ومناسب للاحتياجات التدريبية الفعلية؟ هل محتوى التدريب حديث ويعتمد أحدث المعارف والمهارات في المجال التدريبي؟
طريقة/طرق التدريب:
هل أساليب التدريب المستخدمة هي الأكثر ملائمة لموضوع التدريب؟ دعوني أطرح مثالا لتقريب فهم هذا السؤال، لنتصور أننا نقوم بالتدريب على مهارات إجراء المقابلات لاختيار مرشحين محتملين لوظيفة معينة؟ أليس من المناسب إجراء مقابلات فعلية ثنائية وجماعية أثناء التدريب؟ الاكتفاء بإعطاء المتدربين كلاما نظريا حول "مهارات إجراء المقابلات" لن يكون فعالا بدرجة التطبيق العملي وإعطاء تغذية راجعة مباشرة للمتدربين...
السؤال الآخر المتعلق بطرق التدريب هو ما إذا كانت طرق التدريب المستخدمة ملائمة ومنسجمة مع أنماط التعلم لدى المتدربين، وهنا على مصمم المحتوى التدريب والمدرب أن يكون على وعي بمبادئ التعلم لدى الكبار، وأن يقرأ في نظريات التعلم، كما أن هناك من الأخوة المدربين من يميل إلى الاستفادة من تقنيات العلوم الحديثة كالبرمجة اللغوية العصبية في تنويع طرق وأساليب التدريب التي يستخدمها مثل توظيف. (أنماط التمثيل الثلاثة) في تنويع أساليب التدريب المناسبة لكل فئة أو التوازن بينها.. المهم، هو أن ننجح في الإجابة على هذا السؤال في مرحلة التقييم القبلي بشكل واضح وعملي.
محصلة أو مقدار التعلم:
هنا  الأسئلة متعلقة بشكل وثيق بالسؤال الأول حول محتوى التدريب، وتحاول الكشف عن ماهية المواد التعليمية التي ستقدم للمشاركين، وفيما إذا كانت جديدة بالنسبة لهم أو إنها مفيدة حتى لو كانت مكررة، بمعنى هل تكرارها كان مبررا ومفيدا للمتدربين؟ كذلك يمكننا أن نسأل هنا، عما إذا مقدار التعلم يستحق برنامجا تدريبيا أم يمكن توظيف أدوات أخرى لتقليل تكاليف التدريب؟ هل يمكن التعويض ببعث وثائق مثلا مرتبطة بموضوع التدريب؟
مهارات المدرب:
هل يملك المدرب القدرة والمهارة الكافية والدافعية اللازمة لتقديم المادة التدريبية؟ وسنتحدث بالتأكيد لاحقا – إن شاء الله تعالى- عن معايير اختيار المدربين وتدريبهم وكل ما يتعلق بعالم المدربين وتطبيق الأسس الاحترافية في هذا الجانب.
الإطار الزمني للتدريب:
هل الإطار الزمني للجلسات التدريبية متوافق مع المحتوى التدريبي؟ هل يوجد أي جوانب لم تأخذ حقها من زمن التدريب أو جوانب أخرى أخذت أكثر مما تستحق؟ وهنا لا يكفي فقط أن يتمتع المدرب بمهارات إدارة وقت الجلسة التدريبية، بل القدرة على تصميم الزمن الملائم لكل نشاط تدريبي ضمن الإطار الكلي للبرنامج.
الأهداف:
هل حقق البرنامج التدريبي أهدافه؟ وهذه مسألة – بكل أسف- إما أن يتم الحديث عنها بمثالية بالغة أو بتجاهل محبط، والنتيجة واحدة، تمويه الأهداف وتمييعها وبالتالي ما نحصل عليه هو المزيد من الضبابية فيما يتعلق بما نكرسه من وقت وجهد وأموال في عمليات التدريب، وهنا لا يكفي فقط الإشارة إلى الأهداف التي تم صياغتها من قبل مصممي ومديري التدريب، بل ينبغي معرفة ما إذا كان للمتدربين أنفسهم أهدافهم الشخصية من المجيء إلى التدريب، وفيما إذا كان قد أعطوا الفرصة لتحقيق تلك الأهداف.
الحذف أو الإضافة:
يتعلق هذا السؤال بأجزاء المحتوى التدريبي التي تم إلغاءها ولماذا؟ أو المحتوى الذي تمت إضافته مثلا... وهذا يعطي مؤشرا حول عدة جوانب، منها المرونة التي يتحلى بها المدرب وقدرته على الاستجابة لمتطلبات الاحتياجات والأهداف الشخصية للمتدربين، وكذلك تفاعل المتدربين أنفسهم ومدى وعيهم باحتياجاتهم الفعلية، كما يعطي تصورا عن مدى "علمية" مراحل تأليف وتصميم المحتوى التدريبي بما يتناسب مع ما أشرنا إليه سلفا من عوامل.
نقل التعلم:
هنا تتعلق أسئلتنا بمحتوى التعلم الذي يمكن نقله إلى بيئة العمل أو حيز التطبيق، ولماذا؟ وما هي الخطوات أو العوامل التي تضمنها البرنامج لضمان حدوث ذلك، وهنا يمكن العودة إلى مقالات سابقة من بينها استراتيجيات نقل أثر التدريب إلى حيز التطبيق، وكذلك الشرح المبسط لنموذج فورد وبالدوين لتحول التدريب إلى حيز التطبيق، وأيضا دعم المشرفين والرؤساء المباشرين للمتدرب لتحويل التدريب.
التجهيزات والتسهيلات:
وهذا يتعلق خصوصا بالتدريب الخارجي الذي يعقد في الفنادق ومراكز التدريب الكبرى، وفي الغالب تتولى إدارة التدريب الإشراف على الوفاء بتوفير مثل هذه التسهيلات، لكنه بالتأكيد تدخل ضمن صلب عملية تقييم التدريب لأنها مؤثرة على نجاح وفعالية البرامج التدريبية.
التطبيق العملي:
وهذه الأسئلة مرتبطة بنقل التعلم، لكن Leslie Rea تشير إليها بشكل مستقل، لأنها تعني تحديدا التغيرات الحاصلة في بيئة العمل كنتيجة مباشرة للتدريب، وتطرح الأسئلة هنا حول الجوانب أو الإجراءات التي تم استحداثها في بيئة العمل كنتيجة للتدريب الحاصل، ونوعية التغييرات التي حدثت في بيئة أو ثقافة العمل كمحصلة للتعلم الجديد.
الكفاءة:
تتعلق الأسئلة في هذا الجانب بمدى كفاءة الموظف قبل وبعد التدريب؟ وبالطبع كفاءة أداء المؤسسة قبل وبعد التدريب... لا يكفي أن نضع خطط تدريب ونصرف الأموال عليها ثم نعود أدراجنا بعد عام كامل من الجهد والعناء لنقوم بتصميم خطط جديدة، دون قياس الأداء المتحقق من عمليات التدريب الفائتة، ومن المفترض كما أسلفت في مقالات سابقة، أن تعطي الإدارة العليا في المؤسسة اهتماما واضحا وملموسا لهذا الأمر. 
يمكنكم ملاحظة أن الإجابة على هذه الأسئلة تطلب أدوات عملية ذات كفاءة واضحة في تصميمها ونوعية النتائج والمؤشرات التي تعطيها، وبالتالي مستوى القرارات التي من المفترض أن تبنى عليها، لذا -قبل البحث في الأطر والنماذج والأدوات التي تمكننا من الإجابة العلمية والعملية على مثل هذه الأسئلة- أود التأكيد على أهمية قناعتنا كمشتغلين في قطاع التدريب للأخذ بنتائج التقييم واتخاذ قراراتنا المستقبلية في ضوء تلك النتائج، لا بناء على ما نعتقد نحن أنه صحيح... بنية حسنة، وليس بالنوايا الحسنة وحدها يتحقق العمل المؤسسي الرائد!