السبت، 17 مارس 2012

المشاركة وتنمية الولاء المؤسسي

  الإدارة الواعية تؤمن أن أي بناء أو تقدم في مسار المؤسسة لا يمكن تحقيقه من غير توجيه وتوظيف مثمر للموارد البشرية،وهذا يتطلب أن تعمل الإدارة على تعميق روح الفريق الواحد في مناخ المؤسسة وبيئة العمل، حتى يشعر العامل أو الموظف بأنه جزء أصيل وأساسي من كيان المؤسسة، وبذا يتلاشى الخوف والتردد وتحل محله روح الإقدام والحماس والمبادرة.
لكي نصل إلى مستوى جيد من إشراك الموظفين وإدماجهم وتعزيز انتمائهم للمؤسسة، علينا أن نقوم بردم الفجوة التي تفصل الإدارة عن الموظفين على إختلاف مستوياتهم الوظيفية، وإنهاء الحواجز التي تقف حائلا دون  شعورهم بالإنتماء.. بعض المدراء يشعر بخوف وقلق من إشراك الموظفين في بعض الصلاحيات، مع أن التفويض ممارسة إدارية فعالة جدا، وسنتحدث عنها بتفصيل أكثر لاحقا.. كذلك، تقليل المستويات الإدارية التي تفصلك عن الموظفين، والسماح لأكبر قدر ممكن من التواصل المباشر معهم يرفع مستوى المشاركة ويعزز الشعور بالإحترام والتقدير لديهم.
أيضا جعل الموظف مساهما بوضوح في النجاح والتقدم الذي تحرزه الإدارة، وهذا يشعره بأهميته في الفريق.. ما يحصل للأسف لدى بعض الإدارات هي أنها تتذكر الكفاءات عندما تحتاج إليها، وعندما يحين وقت حصاد النتائج تنسب النجاح لنفسها وتنسى جهود الموظفين، خاصة أولئك الذين قاموا بالعمل الفعلي واجتهدوا في صمت وتفان، لذا تلاحظ مع الأيام تردد بعض الموظفين و عزوفهم عن المشاركة في المهام الجديدة أو فرق العمل التي يستدعي نشاط المؤسسة تشكيلها بين فترة وأخرى.
من الوسائل المقترحة أيضا لتعزيز مشاركة الموظفين  الإعتراف والإشادة بكفاءتهم والثناء على جهودهم بطرقة متنوعة.. بالطبع إذا أردت أن تحبط موظفيك وتقضي على دافعيتهم أبعث إليهم برسالة مفادها أنكم غير أكفاء، ربما لن تفعل ذلك بشكل مباشر، لكن قيامك بعمل كل شيء بمفردك وتصديك لكل صغيرة وكبيرة، يشعرهم بأنهم لا يستحقون ثقتك.. والعبارة الشهيرة لنيتشه تقول: عامل الإنسان كما هو سيبقى كما هو، عامله كما تحب أن يكون سيصبح كما تحب أن يكون..
كذلك ينصح المدراء بالتحرر تدريجيا من عقدة (السري) والمعلومات السرية والبيانات التي لا يجب الإطلاع عليها.. هذه يا أخوة مشكلة حقيقية ينبغي التخلص منها، وللأسف ما يزال بعض الإداريين بمن فيهم الإدارات العليا في بعض مؤسساتنا تعاني من هذه العقدة..
بعض المؤسسات الرائدة في القطاع الخاص لا تعمل فقط على إطلاع موظفيها على بيانات الإيرادات والأرباح والخسائر، بل تذهب إلى إيضاح دلالات هذه الأرقام وعلاقاتها بما يحدث يوميا في مختلف الأقسام.. بهذه الطريقة سيشعر العاملون أنها شركاء مباشرين في تحقيق الأرباح والخسائر، وأن ممارساتهم اليومية تنعكس على الصورة الكلية لأداء المؤسسة..
أيضا، شارك الموظفين نتائج أعمالهم.. بعد إنجاز مهمة ما يرغب كل مشارك فيها في الإطلاع على نتائج العمل.. يريد أن يلامس نتائج ما أنجزه وردود الأفعال حوله وانعكاس ذلك على المؤسسة.. لا تحرمه من متعة الإحساس بالنجاح، ففاقد الشيء لا يعطيه..!


الاثنين، 19 ديسمبر 2011

البعد الإنساني للإدارة..



البعد الإنساني للإدارة
    التعامل والتفاعل اليومي في إطار العمل ترشح عنه علاقات متفاوتة في عمقها وقوتها وأهميتها بالنسبة للعمل و للموظفين أنفسهم، ومع هذا التفاوت وربما التناقض تترك هذه العلاقات آثارا واضحة على فاعلية  المؤسسة، كما تصبح هذه العلاقات بعدا رئيسيا من أبعاد المناخ الذي يسود المؤسسة ويؤثر في سلوكها التنظيمي، ومدى تماسك رأس مالها البشري في وجه التحديات التي تعترض طريقها في ظل عالم شديد التنافس على الموارد والكفاءات والفرص.
    أدبيات الإدارة وعديد البحوث والدراسات في هذا المجال تؤكد على أن طبيعة العلاقة بين الرؤساء والمرؤوسين.. بين المدراء والموظفين في المؤسسة الواحدة تعطينا شكلا من أشكال التنبؤ حول الأداء المتوقع من الموظفين ومستوى رضاهم عن العمل وكذلك مدى ولائهم وانتمائهم إلى المؤسسة، فالموظف أو العامل الذي يتلقى باستمرار احتراما وتقديرا من قبل رؤسائه، واستعدادا دائما لدعمه وتشجيع نموه المهني وإتاحة مساحة معقولة لاختبار قدراته الشخصية وإبراز مهاراته يميل بشكل أكبر لصيانة موارد المؤسسة، ودعم تقدمها والانتماء إليها، وتوظيف قدراته الشخصية لصالحها، بينما يصل الأمر بالموظف الذي تتملكه خيبة الأمل من رؤسائه إلى التراجع والتكاسل و عدم الإقدام حتى على المشاركة بآرائه ومقترحاته لتطوير العمل أو طرح أفكاره في الاجتماعات وجلسات النقاش.
وهذا السلوك "الإنسحابي" ربما يكون أكثر ضررا من الاستقالة نفسها!. فالموظف المستقيل تتنبه المؤسسة إلى الفراغ الذي يخلفه والمكان الشاغر الذي قد يملأ بتنقلات داخلية أو بتوظيف شخص جديد، بينما الموظف المنسحب أو الصامت نتيجة للإحباط فهو محسوب على القوى البشرية في المؤسسة، وهو في الواقع لا يعدو كونه مجرد رقم في سجلات القوى العاملة.
    والتجارب اليومية في المؤسسات الحكومية والخاصة تؤكد على مركزية العلاقات الإنسانية وفعالية الحس الاجتماعي في بناء أجواء الثقة، التي يتطلبها العمل في أي مؤسسة مهما كان حجمها، فغياب الثقة و تفشي المشاعر السلبية بين الموظفين، وخاصة بين الرؤساء والمرؤوسين، وانتشار الاحباط يجعل من المؤسسة كيانا مترهلا غير قادر على التقدم والتنافس وصنع الفرص الجديدة التي تبحث عنها وتتسابق عليها المؤسسات الرائدة، لذا فلا غرابة ولا مجال للدهشة من ردات فعل الموظفين حين تتم معاملتهم بشكل يسيء إلى إنسانيتهم وحقوقهم التي من المفترض على المؤسسة أن ترعاها وتتجاوز من خلالها توقعات الموظفين أنفسهم، حتى تستطيع تحقيق أكبر استفادة ممكنة من قدراتهم وطاقاتهم.
     وحتى أولئك الموظفين الذين يبنون عادة علاقتهم بمكان العمل استنادا إلى مستوى الأجور والحوافز المادية، يبحثون أيضا عن التقدير والاحترام ويتوقعون أن تتم معاملتهم باحترام لإنسانيتهم ومواطنتهم، ثم لوجودهم كجزء أصيل وأساسي من كيان المؤسسة وتقدمها، ومن الخطأ الاعتقاد أن الحافز المادي يُعوِّض الشعور الإنساني النبيل في التعامل مع الموظف مهما كانت درجة مهارته أو موضعه في السلم الوظيفي.
 لذا فالتنبه إلى طبيعة التعامل مع الموظفين والعمال وتحسين مهارات المدراء والرؤساء والمشرفين المباشرين والرقي بممارساتهم ذات الصلة بالتفاعل اليومي مع القوى العاملة يعزز المناخ الإيجابي بين المنتمين إلى المؤسسة، وهذا المناخ يمكن قراءته من خلال عدة معطيات من بينها مستوى الثقة السائدة بين الموظفين، وشعور العاملين بالرضا والانتماء إلى المؤسسة، وانعكاس ذلك على إنجازهم ومستوى أدائهم.. وبالتالي تحول الوزارة أو الشركة أو المصنع إلى كيان مؤسسي قوي و متماسك يسير بخطى واثقة لأجل مزيد من الريادة والتقدم.

الإدارة أيضا تستحق الكتابة والتدوين...

أصدقائي متابعي وزوار المدونة..

بعد تجربة إعداد وتقديم برنامج (فن الإدارة) بإذاعة سلطنة عمان، ورغم إهتمامي السابق بمجال التدريب الإداري، وجدت أن هناك الكثير من الأفكار التي تخدم المؤسسات والتطوير الإداري الذاتي يمكن أن تكون موضوعا لتدوينة عابرة أو مقالا مختصرا، يضيف إلى التراكم المعرفي والمهاري اللازم لأي مدير يود أن يصنع إضافة فعلية للمؤسسة التي يديرها أو فريق العمل الذي يحمل مسؤولية قيادته...  لذا، عمدت إلى استشارة بعض الأصدقاء في تغيير مجال المدونة من (التدريب) فقط إلى  (الإدارة) و (التدريب).. وكل ما أتمناه أن تجدوا -عند زيارتكم العابرة أو عندما تحملكم خيوط هذه الشبكة العنكبوتية إلى هنا- فكرة جديدة أو درسا مفيدا أو تجربة تضيف شيئا إلى خبراتكم.... كي يستمر البناء.. ونكون معا باستمرار جزءا من حركة التنمية والإعمار والنهوض بمجتمعاتنا... تحياتي لكم ومحبتي


الاثنين، 4 أبريل 2011

تصميم التدريب... خطوات قبل القفز نحو المجهول


 
   هذا المساء، سوف يجلس أحدهم أمام شاشة حاسوبه، وستراوده –ربما فجأة- فكرة تصميم برنامج تدريبي ، وربما اتصل به مسئوله المباشر لتكليفه بتنفيذ ورشة عمل عاجلة، (المؤسسات المترهلة غالبا تعيش حالة عاجلة وطارئة، يمكنكم اكتشاف ذلك من التعاميم المحولة للموظفين التنفيذيين) و سوف يفتح الأخ الكريم صديقنا أبو الحركات المسمى power point  وسيبدأ في ملأ الشرائح بكلام من هنا وهناك، وربما بذل جهدا مضنيا ومخلصا وكريما في عمل "حركات" ألوان وتنسيق دخول وخروج الشرائح... وربما طلب المساعدة من  الصديق الوفي (جوجل) في تجميع توليفة من الكلام النظري والإضافات التي لابد منها لجعل الأفكار التي تجول في رأسه "كلاما" مقبولا ومحببا لدى المتدربين ، وفي ذلك فليتنافس المدربون!
 ***
  أحد الأسباب الرئيسية لضعف مستوى التدريب هو الاعتقاد الخاطئ والشائع بأن تصميم التدريب يبدأ من تصميم العرض التقديمي، وكلمة "تصميم" تحيل أذهان الكثيرين للأسف الشديد إلى عملية اختيار قوالب وألوان وحركات تثير المتدربين وتلفت انتباهمم وتبقي على تركيزهم، في المقابل يتقدم آخرون خطوات أفضل باعتقادهم أن تصميم التدريب يبدأ وينتهي عند اختيار الأنشطة االتدريبية التي سيتم تنفيذها أثناء الجلسة التدريبية، أو حتى طرق التدريب التي سيتم توظيفها لتنفيذ تلك الأنشطة، لكن دون إرتباط واضح بأهداف التدريب، ولا صياغة تلك الأهداف أصلا بناء على متطلبات العمل في المؤسسة أو احتياجات المتدربين، المسألة تعتمد على ميول المدرب/المشرف أو المشرف المدرب كما هي عمليات التدريب غالبا في وزارات التعليم في أغلب الدول العربية، لنجد أن هناك تباينا واضحا من مؤسسة إلى أخرى في مدى الإلتزام بالمعايير والأسس العلمية التي يقوم عليها تصميم التدريب، وهذا ينعكس بوضوح على جودة المحتوى التدريبي وبالتالي احتمالية ضياع كل جهود التدريب واستمرار القصور في ركن أساسي من أركان نجاح أي مؤسسة تسعى للمنافسة والريادة والتفوق.
 ***
إن لم يكن هذا القصور شائعا كمعرفة، فإنه شائع كممارسة، والفرق هو أن أعدادا متزايدة من المشتغلين في قطاع التدريب أو المنظمين حديثا إليه على  معرفة و وعي بخطأ هذا الإجراء وبعدم جدواه، وهم على يقين أن مئات من ورش التدريب "ذهبت مع الريح"، لكن ملاحظات المتدربين ومستويات رضاهم وتقييمهم للبرامج التدريبية ومستوى كفاءتهم عند عودتهم إلى بيئة العمل  تدل على أن الممارسة لم تتأثر بهذه المعرفة، أي أن إحساسنا بوجود هذا القصور لم يتم ترجمته إلى اجراءات مهنية تضمن تغييرا فعليا في مراقبة مرحلة تصميم التدريب، وفي كل الأحوال فإن القصور يشمل أيضا الإلمام بالأسس الصحيحة والخطوات الإجرائية التي ينبغي اتباعها لإخراج محتوى تدريبي ذي جودة وفعالية.
 ***
كانت تلك ثرثرة/مقدمة لازمة لفتح باب الأسئلة حول ممارساتنا الحالية المتعلقة بمرحلة تصميم التدريب، ولإستفزاز مكامن الخطأ فيما نعرفه وما نجهله على السواء حول مرحلة يبدو القفز عليها قفزا نحو المجهول في مسار التدريب، أو في أفضل الأحوال نحو الإعتباطية والعشوائية (إن أردنا استخدام توصيفا ملطفا لمآلات التدريب في هذه الحالة)،و في هذه السلسة من المقالات/التدوينات حول تصميم التدريب سنتجاوز الحديث عن مرحلة تحديد وتحليل الاحتياجات التدريبية، وسنفترض أننا قمنا بما يلزم حيال هذه المسألة نظرا لوعينا التام والمشترك بأهميتها، وفي البدء علينا أن نسأل ماذا نعني تحديدا بمرحلة أو عملية تصميم التدريب؟ لماذا نحتاج إلى الحديث والكتابة عن تصميم التدريب؟ وهل لذلك علاقة بتعظيم نتائج التدريب وعوائده على المؤسسة ومستوى كفاءتها وإنتاجها؟ ومن يقوم  تحديدا بتصميم التدريب؟ وهل هناك شركاء أو أطراف متعددة يمكن أن تشترك في عملية تصميم التدريب؟ وهل المتدربون أنفسهم معنيون بهذه المرحلة؟ أعني إلى أي مدى يمكن إشراك المتدربين في مرحلة تصميم التدريب؟

لا نود لهذا الحديث أن يكون مجرد حديث عن المشكلة، فنحن لدينا في الغالب نزعة و براعة في الحديث عن المشكلات، لكن عندما يحين وقت ابتكار الحلول وتقديم المقترحات والأساليب العملية نلوذ بالصمت، ما سأجتهد في تقديمه في التدوينات القادمة هو خطوات يمكن للإلتزام بها أن يمنح قدرا معقولا من الفهم والمعرفة والممارسة الإيجابية لجهة الرقي بمرحلة تصميم التدريب كحلقة أساسية في دورة حياة التدريب، حتى لا يكتب له الهدر والتلاشي من البداية!