الاثنين، 19 ديسمبر 2011

البعد الإنساني للإدارة..



البعد الإنساني للإدارة
    التعامل والتفاعل اليومي في إطار العمل ترشح عنه علاقات متفاوتة في عمقها وقوتها وأهميتها بالنسبة للعمل و للموظفين أنفسهم، ومع هذا التفاوت وربما التناقض تترك هذه العلاقات آثارا واضحة على فاعلية  المؤسسة، كما تصبح هذه العلاقات بعدا رئيسيا من أبعاد المناخ الذي يسود المؤسسة ويؤثر في سلوكها التنظيمي، ومدى تماسك رأس مالها البشري في وجه التحديات التي تعترض طريقها في ظل عالم شديد التنافس على الموارد والكفاءات والفرص.
    أدبيات الإدارة وعديد البحوث والدراسات في هذا المجال تؤكد على أن طبيعة العلاقة بين الرؤساء والمرؤوسين.. بين المدراء والموظفين في المؤسسة الواحدة تعطينا شكلا من أشكال التنبؤ حول الأداء المتوقع من الموظفين ومستوى رضاهم عن العمل وكذلك مدى ولائهم وانتمائهم إلى المؤسسة، فالموظف أو العامل الذي يتلقى باستمرار احتراما وتقديرا من قبل رؤسائه، واستعدادا دائما لدعمه وتشجيع نموه المهني وإتاحة مساحة معقولة لاختبار قدراته الشخصية وإبراز مهاراته يميل بشكل أكبر لصيانة موارد المؤسسة، ودعم تقدمها والانتماء إليها، وتوظيف قدراته الشخصية لصالحها، بينما يصل الأمر بالموظف الذي تتملكه خيبة الأمل من رؤسائه إلى التراجع والتكاسل و عدم الإقدام حتى على المشاركة بآرائه ومقترحاته لتطوير العمل أو طرح أفكاره في الاجتماعات وجلسات النقاش.
وهذا السلوك "الإنسحابي" ربما يكون أكثر ضررا من الاستقالة نفسها!. فالموظف المستقيل تتنبه المؤسسة إلى الفراغ الذي يخلفه والمكان الشاغر الذي قد يملأ بتنقلات داخلية أو بتوظيف شخص جديد، بينما الموظف المنسحب أو الصامت نتيجة للإحباط فهو محسوب على القوى البشرية في المؤسسة، وهو في الواقع لا يعدو كونه مجرد رقم في سجلات القوى العاملة.
    والتجارب اليومية في المؤسسات الحكومية والخاصة تؤكد على مركزية العلاقات الإنسانية وفعالية الحس الاجتماعي في بناء أجواء الثقة، التي يتطلبها العمل في أي مؤسسة مهما كان حجمها، فغياب الثقة و تفشي المشاعر السلبية بين الموظفين، وخاصة بين الرؤساء والمرؤوسين، وانتشار الاحباط يجعل من المؤسسة كيانا مترهلا غير قادر على التقدم والتنافس وصنع الفرص الجديدة التي تبحث عنها وتتسابق عليها المؤسسات الرائدة، لذا فلا غرابة ولا مجال للدهشة من ردات فعل الموظفين حين تتم معاملتهم بشكل يسيء إلى إنسانيتهم وحقوقهم التي من المفترض على المؤسسة أن ترعاها وتتجاوز من خلالها توقعات الموظفين أنفسهم، حتى تستطيع تحقيق أكبر استفادة ممكنة من قدراتهم وطاقاتهم.
     وحتى أولئك الموظفين الذين يبنون عادة علاقتهم بمكان العمل استنادا إلى مستوى الأجور والحوافز المادية، يبحثون أيضا عن التقدير والاحترام ويتوقعون أن تتم معاملتهم باحترام لإنسانيتهم ومواطنتهم، ثم لوجودهم كجزء أصيل وأساسي من كيان المؤسسة وتقدمها، ومن الخطأ الاعتقاد أن الحافز المادي يُعوِّض الشعور الإنساني النبيل في التعامل مع الموظف مهما كانت درجة مهارته أو موضعه في السلم الوظيفي.
 لذا فالتنبه إلى طبيعة التعامل مع الموظفين والعمال وتحسين مهارات المدراء والرؤساء والمشرفين المباشرين والرقي بممارساتهم ذات الصلة بالتفاعل اليومي مع القوى العاملة يعزز المناخ الإيجابي بين المنتمين إلى المؤسسة، وهذا المناخ يمكن قراءته من خلال عدة معطيات من بينها مستوى الثقة السائدة بين الموظفين، وشعور العاملين بالرضا والانتماء إلى المؤسسة، وانعكاس ذلك على إنجازهم ومستوى أدائهم.. وبالتالي تحول الوزارة أو الشركة أو المصنع إلى كيان مؤسسي قوي و متماسك يسير بخطى واثقة لأجل مزيد من الريادة والتقدم.

ليست هناك تعليقات: