يمكنكم أن تعتبروا هذا الكلام من قبيل (الدردشة المهنية العابرة) و ليس خروجا عن إلتزامي بأن تكون مقالات شهري سبتمبر وأكتوبر مخصصة لتقييم التدريب، لأن فكرة التعاقد مع المتدرب قبل ترشيحه لحضور أي برنامج شغلت تفكيري طوال ساعات مضت، وهي للأمانة ليست (سبقا مهنيا) لأنني وجدت بعض الدراسات قد أشارت إليها من قبل، كما أن بعض المؤسسات في أكثر من دولة (استراليا واليابان، على الأقل) قد طبقتها فعليا بصور ومستويات مختلفة، وأوصت بعض الدراسات العلمية بتطبيقها كممارسة مرتبطة بتجويد التدريب.
***
أثناء إلقائي عرضا حول كتاب Leslie Rea الذي شاركتكم جزءا منه في المقال السابق بعنوان (في البدء كانت الأسئلة... نحو فهم أفضل لعملية تقييم التدريب) طرحت السؤال التالي على الحضور، ما رأيكم في فكرة التعاقد مع المتدرب لنقل أثر التدريب بعد عودته من البرنامج الذي يوفد إليه؟
الزملاء وعددهم (6) انقسموا بين مؤيد ومعارض ومشكك في فعالية هكذا ممارسة... البروفسور أجاب باقتضاب : look Ahmed, if your organization is willing to do that, you are lucky.. the whole thing depends on the organization culture..
(انظر أحمد، إذا كانت المؤسسة التي تعمل بها مستعدة لتطبيق ذلك، فأنت محظوظ... الأمر برمته يعتمد على ثقافة المؤسسة)!
***
فتحت إجابة البروفسور مزيدا من الأسئلة والنقاش الإيجابي، قالت إحدى الطالبات بأن الشركة التي تعمل بها تعمد إلى ما يشبه هذا الاقتراح، حيث يوقع المتدرب قبل الذهاب إلى البرنامج التدريبي تعهدا يقر بموجبه بمسئوليته عن كتابة تقرير مفصل حول المعارف والمهارات التي تعلمها والممارسات التطبيقية التي يقترح تبنيها نتيجة للتعلم الجديد، وأيضا يلتزم بإعادة تدريب زملاءه...
***
الفصل السابع من قانون الخدمة المدنية في سلطنة عمان، يشير في مواده (54،55) على أن "التدريب واجب على جميع الموظفين" و تعتبر الفترة التي يقضيها الموظف في التدريب فترة عمل" كما يعتبر القانون التخلف عن التدريب "إخلالا بواجبات الوظيفة" ورغم التأكيد الواضح على إلتزام الموظف وإمكانية مساءلته في حال تعمد ارتكاب هذا "الإخلال" لا توجد إشارة إلى أية إلتزام آخر يقع على المتدرب فيما يتعلق بعودته إلى مكان العمل، وربما لم ير المشرع حاجة – حتى الآن- لتضمين ذلك حرفيا، طالما أن واجبات الوظيفة تقتضي نقل أثر التدريب،وأيضا يمكن فهم ذلك من خلال فرضية أن التدريب تم تنفيذه في الأصل "وفقا لمتطلبات العمل" كما ورد في المادة 54 من نفس القانون.
طالعت لوائح التدريب في قوانين الخدمة المدنية في دول عربية مختلفة، وبالأخص في المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين... الأمر لا يختلف كثيرا... وفي قانون الخدمة المدنية بالسعودية عدة بنود حول المصروفات التي تمنح للمتدرب في الخارج وبيانات حول المكافآت وتأكيد أيضا على "أن يكون للدورة علاقة بالعمل الذي يقوم به"... لكن كل القوانين تخلو من (تثبيت) التعاقد مع المتدرب على تطبيق ما تم تدريبه عليه كبند أو شرط للموافقة على ترشيحه للتدريب...
طيب،،
هل نلوم لوائح وزارات الخدمة المدنية؟ لا يمكن أن نلقي باللوم على لوائح الوزارة، حيث أن هكذا قوانين تتطور مع تطور ثقافة المؤسسة وتتفاعل مع متطلباتها، ثم أن هكذا فكرة (أعني التعاقد مع المتدرب لنقل أثر التدريب) فيها كثير من التفصيل (الوظيفي) الذي يجب أن يعنى به الرؤساء المباشرون ويتناسب أكثر مع طريقة إدارتهم لشئون أقسامهم ودوائرهم، واللوائح غالبا تتناول العموميات والأطر و في كل الأحوال، يمكننا أن نتفاءل بأن نرى أمرا مشابها يوما ما، خاصة في حال تدخل وحدات تنمية موارد البشرية في الوزارات المدنية لتأكيد مثل هذه القوانين، ومرة أخرى هذا يتطلب نقاشا علميا بناء وعميقا وقبل هذا دعما من رؤساء ومدراء دوائر التدريب، وإعادة الاعتبار لمركزية التدريب في أي منظمة/مؤسسة تضع بشكل صادق تحسين أداءها، وأيضا الالتفات إلى حجم الإنفاق المتزايد على مخصصات التدريب، التي يجب أن ينظر إليها كاستثمار يحقق عوائد يمكن قياسها بأدوات محددة سنتناولها تباعا هنا...
المتدرب غالبا ما يسأل عن (الحقوق) لكنه يتناسى (الواجبات)، و دافعية المتدرب لتحويل التدريب إلى حيز التطبيق تتأثر بعوامل عدة منها الخارجي، وهكذا تعاقد قد يدفع (من الدافعية) المتدرب إلى إعادة النظر ليس في جديته أثناء حضوره البرامج التدريبية، بل في ترشحه لدورة هو ليس بحاجة إليها أصلا، وهنا قد "تتداعى" ثمار إيجابية أخرى من بينها أن احتمالية إشراك المتدرب في تحديد احتياجاته التدريبية (التي سيلتزم لاحقا بتطبيقها) ستزيد، وكل ممارسة مهنية مسئولة بالتأكيد ستضيف المزيد من الفعالية لمنظومة التدريب في أي مؤسسة.
***
هل قلت شيئا جديدا؟ لا أظن... كنت أفكر بصوت عال وأصابعي على (الكيبورد) وأرجو أن أتعرف على وجهات نظركم حول هذا الأمر... ذات النقاش المهني الجاد في مؤسساتنا يجب أن يستمر، لكن مع ميل أكبر باستمرار لتطبيق المعارف الجديدة، والأهم استعداد "شجاع" للتغيير ... التغيير نحو الأفضل طبعا!