أول النماذج التي ظهرت لتفسير ووصف عملية تحويل التدريب إلى حيز التطبيق، وهو مهم جدا لمديري التدريب وللمشرفين وللمدربين والرؤساء المباشرين الذين تقع عليهم مسئولية مراقبة وتقييم عملية نقل أثر التدريب، قدم النموذج Timothy Baldwin و Ford J. Kevin.. وبالرغم من أن نماذج عدة ظهرت لاحقا حتى عام 2009، إلا أن هذا النموذج ظل حاضرا بقوة في أدبيات التدريب، ويمكن تشبيه أهميته بالنسبة لتحويل التدريب بأهمية نموذج المستويات الأربعة ل Kirkpatrick في تقييم التدريب، وتقريبا لا توجد أي دراسة أو مقال علمي قدم حتى الآن في هذا المجال بدون الرجوع إلى هذا النموذج أو الإشارة إليه، كما أنه وضع تأصيلا علميا بناء لماهية عميلة تحويل التدريب والعوامل المؤثرة فيه، استند على نقد رصين للإطار النظري الذي كان متوفرا وقت تطوير النموذج.
قام بالدوين وفورد، (1988) بتقديم النموذج كإطار لفهم الكيفية التي تحدث بها عملية تحويل التدريب إلى حيز التطبيق من خلال فهم العوامل المؤثرة على عملية التدريب نفسها ومراحل انتقال (محتوى التعلم) الجديد إلى التطبيق الفعلي،ويصف النموذج عملية تحويل التدريب وفقا لثلاث مكونات رئيسة: مدخلات التدريب (تصميم التدريب، السمات الشخصية للمتدرب، وخصائص بيئة العمل)، مخرجات أو نتائج التدريب ويقصد بها مستوى التعلم الحاصل أثناء التدريب والقدرة على الاحتفاظ بمحتوى التعلم الجديد لما بعد انتهاء البرنامج، والبعد أو الضلع الثالث لهذا النموذج يكمن في شروط حدوث عملية التحويل و هما :
1) تعميم التعلم الحاصل في التدريب على بيئة العمل.
2) الاحتفاظ بأثر التعلم/التدريب إلى فترة زمنية كافية.
ما يهمنا كمشتغلين في مجال التدريب، هو الممارسات أو الإجراءات التي ينبغي تبنيها لتحقيق أكبر عائد للتدريب، لذا سأعمد إلى شرح النموذج بشكل مبسط ومختصر، بالتركيز على "المدخلات" مع الإشارة إلى أمثلة من الإجراءات التي يمكن أن تتخذ من قبل المشرفين على التدريب أو الرؤساء المباشرين للمتدربين.
تصميم التدريب: وفقا ل (بالدوين وفورد)، فإن العوامل لمؤثرة على تصميم التدريب تشمل: توظيف مبادئ التعلم بشكل صحيح، وتسلسل وترابط محتوى التدريب، وكذلك مدى ارتباط محتوى التدريب بمهام العمل.
لذا على جهات التدريب، لاسيما تلك التي تعتمد في تخطيط وتنفيذ التدريب على موظفين ومشرفين من داخل المؤسسة ذاتها، أن تتأكد من تضمين مبادئ تعلم الكبار ضمن برامج تهيئة المدربين والمشرفين الجدد، كما على مخططي ومقيمي برامج التدريب التأكد من محتوى البرامج التدريبية التي تنفذ في مؤسساتهم ومدى ترابطها وارتباطها بمهام العمل الفعلية، واللجوء إلى إحداث التغييرات اللازمة في برامجها وتحسينها باستمرار.
السمات الشخصية للمتدرب: وتشمل بشكل أساسي المهارات والقدرات، الدافعية، والشخصية.
وهذا عامل حاسم أكدت عليه دراسات عديدة لاحقة، وكنت قد كتبت مقالا بعنوان (تخيروا لبرامجكم: السمات الشخصية للمتدربين) سيتم نشره لاحقا في هذه الزاوية بإذن الله، وما يهمنا الآن، هو التنبه عند ترشيح المتدربين إلى اختيار متدربين قادرين فعلا على رفد القسم/الدائرة/المؤسسة بنتائج التعلم الجديد، وتقديم عائد مجزي للتكاليف التي تقوم عليها عملية التدريب، واستبعاد "العناصر" التي (أينما توجهها لا تأتي بخير) والتوقف عن النظر إلى التدريب على أنه "مكافأة" يتم تقديمها للموظفين، النوايا الحسنة والمجاملات وتطييب الخواطر ليس له علاقة بالعمل المؤسسي الناجح!
خصائص بيئة العمل: يشير النموذج إلى مجموعة من الخصائص وهي الدعم الذي يقدمه المشرفون للمتدرب عند العودة إلى بيئة العمل، وكذلك الدعم الذي يقدمه النظراء أو الزملاء لنقل أثر التدريب، وكذلك معوقات وفرص تطبيق السلوكيات المتعلمة في بيئة العمل.
وللأسف، هناك غياب واسع وملحوظ في أغلب مؤسساتنا لهذا الدعم، ويمكن اللجوء إلى مجموعة من الخطوات لتحسين الوضع القائم حاليا بتبني المشرف أو الرئيس المباشر لمجموعة من التدابير لدعم وتحفيز المتدربين على نقل أثر التدريب إلى حيز التطبيق، ويمكن الاستفادة في هذا الإطار من المقال المنشور سابقا هنا بعنوان (استراتيجيات تحويل التدريب إلى حيز التطبيق).
وبالعودة إلى النموذج، يتضح لنا أن سمات المتدرب وخصائص بيئة العمل ومستوى تصميم البرنامج التدريبي لا تؤثرعلى مستوى تحويل التدريب فقط، بل تؤثر أيضا على مستوى التعلم الحاصل أثناء التدريب نفسه، وكذلك القدرة على الاحتفاظ بمضمون التدريب واستعادته، وكذلك يشير النموذج إلى ترابط تأثير المدخلات، فمثلا إذا كان تصميم التدريب جيدا وتم بناء محتواه بشكل متقن، إلا أن غياب خصائص بيئة العمل المحفزة لنقل أثر التدريب قد تعيق الاستفادة من محتوى التدريب، وبالمثل فإن دافعية المتدرب وحماسه للتعلم وتطبيق المهارات الجديدة أمر هام، لكنه غير كافي في غياب تخطيط وتصميم وتنفيذ جيد للبرامج التدريبية، وتبقى المناقشات البناءة بين شركاء التدريب في المؤسسة اعتمادا على أساليب علمية ممنهجة ومخططة أمر في غاية الأهمية لتطبيق الأساليب المناسبة لكل مؤسسة على حدة.
وشكرا لكم.
هناك تعليقان (2):
حديثك عن استبعاد العناصر التى لا يمكن لاستفاده منها والحصول منها على مخرجات ترقى بالعمل الناجح نقطه جيده يجب التحدث عن هذه الفئه من الموظفين والتركيز على السلبيات الناتجه عن هذه الفئات
أهلا، شكرا على مداخلتك، دعنا نركز على "الإيجابيات"، أعني الأدوات والوسائل التي يمكن توظيفها لمصلحة العمل وتحسين أداء المؤسسات.. نتحدث كثيرا عن "السلبيات" وهذا حديث لا يقدم كثيرا، أعني "حدثني عن الحل"..
إرسال تعليق