في كتابها المعنون ب (كيف تقيس فعالية التدريب?) How to measure training effectiveness تقدم Leslie Rea مجموعة أسئلة، أرى أنها مهمة لفهم عملية تقييم التدريب، وكذلك أساسية سواء للمشرف على تقييم التدريب أو المدرب أو المساهمين في تأليف وتصميم البرامج التدريبية، سأطرح الأسئلة الواردة بقدر من التبسيط والاختصار، وأود أن أشير في البداية إلى أن أهمية هذه الأسئلة تكمن – من وجهة نظري- في أنها تقدم إطارا معرفيا وعمليا تمكن الممارس من اختيار النموذج النظري المناسب لبناء أدوات التقييم الأكثر فعالية لمؤسسته وفقا لطبيعة أنشطتها وهيكلها التنظيمي وثقافتها المهنية السائدة، أعني بذلك أن ما يناسب مشرف الإنماء المهني في مدرسة يختلف عما يناسب أخصائي التدريب في شركة تسويق وإعلانات، ويختلف عن ما يناسب مسئول التدريب في مصنع أغذية يعتمد قياس الأداء فيه على الوحدات المنتجة يوميا من منتج معين...
الأسئلة الواردة في كتاب Leslie Rea مرتبة وفقا لمكونات عملية التدريب نفسها كالتالي:
محتوى التدريب:
هل محتوى التدريب وثيق الصلة ومناسب للاحتياجات التدريبية الفعلية؟ هل محتوى التدريب حديث ويعتمد أحدث المعارف والمهارات في المجال التدريبي؟
طريقة/طرق التدريب:
هل أساليب التدريب المستخدمة هي الأكثر ملائمة لموضوع التدريب؟ دعوني أطرح مثالا لتقريب فهم هذا السؤال، لنتصور أننا نقوم بالتدريب على مهارات إجراء المقابلات لاختيار مرشحين محتملين لوظيفة معينة؟ أليس من المناسب إجراء مقابلات فعلية ثنائية وجماعية أثناء التدريب؟ الاكتفاء بإعطاء المتدربين كلاما نظريا حول "مهارات إجراء المقابلات" لن يكون فعالا بدرجة التطبيق العملي وإعطاء تغذية راجعة مباشرة للمتدربين...
السؤال الآخر المتعلق بطرق التدريب هو ما إذا كانت طرق التدريب المستخدمة ملائمة ومنسجمة مع أنماط التعلم لدى المتدربين، وهنا على مصمم المحتوى التدريب والمدرب أن يكون على وعي بمبادئ التعلم لدى الكبار، وأن يقرأ في نظريات التعلم، كما أن هناك من الأخوة المدربين من يميل إلى الاستفادة من تقنيات العلوم الحديثة كالبرمجة اللغوية العصبية في تنويع طرق وأساليب التدريب التي يستخدمها مثل توظيف. (أنماط التمثيل الثلاثة) في تنويع أساليب التدريب المناسبة لكل فئة أو التوازن بينها.. المهم، هو أن ننجح في الإجابة على هذا السؤال في مرحلة التقييم القبلي بشكل واضح وعملي.
محصلة أو مقدار التعلم:
هنا الأسئلة متعلقة بشكل وثيق بالسؤال الأول حول محتوى التدريب، وتحاول الكشف عن ماهية المواد التعليمية التي ستقدم للمشاركين، وفيما إذا كانت جديدة بالنسبة لهم أو إنها مفيدة حتى لو كانت مكررة، بمعنى هل تكرارها كان مبررا ومفيدا للمتدربين؟ كذلك يمكننا أن نسأل هنا، عما إذا مقدار التعلم يستحق برنامجا تدريبيا أم يمكن توظيف أدوات أخرى لتقليل تكاليف التدريب؟ هل يمكن التعويض ببعث وثائق مثلا مرتبطة بموضوع التدريب؟
مهارات المدرب:
هل يملك المدرب القدرة والمهارة الكافية والدافعية اللازمة لتقديم المادة التدريبية؟ وسنتحدث بالتأكيد لاحقا – إن شاء الله تعالى- عن معايير اختيار المدربين وتدريبهم وكل ما يتعلق بعالم المدربين وتطبيق الأسس الاحترافية في هذا الجانب.
الإطار الزمني للتدريب:
هل الإطار الزمني للجلسات التدريبية متوافق مع المحتوى التدريبي؟ هل يوجد أي جوانب لم تأخذ حقها من زمن التدريب أو جوانب أخرى أخذت أكثر مما تستحق؟ وهنا لا يكفي فقط أن يتمتع المدرب بمهارات إدارة وقت الجلسة التدريبية، بل القدرة على تصميم الزمن الملائم لكل نشاط تدريبي ضمن الإطار الكلي للبرنامج.
الأهداف:
هل حقق البرنامج التدريبي أهدافه؟ وهذه مسألة – بكل أسف- إما أن يتم الحديث عنها بمثالية بالغة أو بتجاهل محبط، والنتيجة واحدة، تمويه الأهداف وتمييعها وبالتالي ما نحصل عليه هو المزيد من الضبابية فيما يتعلق بما نكرسه من وقت وجهد وأموال في عمليات التدريب، وهنا لا يكفي فقط الإشارة إلى الأهداف التي تم صياغتها من قبل مصممي ومديري التدريب، بل ينبغي معرفة ما إذا كان للمتدربين أنفسهم أهدافهم الشخصية من المجيء إلى التدريب، وفيما إذا كان قد أعطوا الفرصة لتحقيق تلك الأهداف.
الحذف أو الإضافة:
يتعلق هذا السؤال بأجزاء المحتوى التدريبي التي تم إلغاءها ولماذا؟ أو المحتوى الذي تمت إضافته مثلا... وهذا يعطي مؤشرا حول عدة جوانب، منها المرونة التي يتحلى بها المدرب وقدرته على الاستجابة لمتطلبات الاحتياجات والأهداف الشخصية للمتدربين، وكذلك تفاعل المتدربين أنفسهم ومدى وعيهم باحتياجاتهم الفعلية، كما يعطي تصورا عن مدى "علمية" مراحل تأليف وتصميم المحتوى التدريبي بما يتناسب مع ما أشرنا إليه سلفا من عوامل.
نقل التعلم:
هنا تتعلق أسئلتنا بمحتوى التعلم الذي يمكن نقله إلى بيئة العمل أو حيز التطبيق، ولماذا؟ وما هي الخطوات أو العوامل التي تضمنها البرنامج لضمان حدوث ذلك، وهنا يمكن العودة إلى مقالات سابقة من بينها استراتيجيات نقل أثر التدريب إلى حيز التطبيق، وكذلك الشرح المبسط لنموذج فورد وبالدوين لتحول التدريب إلى حيز التطبيق، وأيضا دعم المشرفين والرؤساء المباشرين للمتدرب لتحويل التدريب.
التجهيزات والتسهيلات:
وهذا يتعلق خصوصا بالتدريب الخارجي الذي يعقد في الفنادق ومراكز التدريب الكبرى، وفي الغالب تتولى إدارة التدريب الإشراف على الوفاء بتوفير مثل هذه التسهيلات، لكنه بالتأكيد تدخل ضمن صلب عملية تقييم التدريب لأنها مؤثرة على نجاح وفعالية البرامج التدريبية.
التطبيق العملي:
وهذه الأسئلة مرتبطة بنقل التعلم، لكن Leslie Rea تشير إليها بشكل مستقل، لأنها تعني تحديدا التغيرات الحاصلة في بيئة العمل كنتيجة مباشرة للتدريب، وتطرح الأسئلة هنا حول الجوانب أو الإجراءات التي تم استحداثها في بيئة العمل كنتيجة للتدريب الحاصل، ونوعية التغييرات التي حدثت في بيئة أو ثقافة العمل كمحصلة للتعلم الجديد.
الكفاءة:
تتعلق الأسئلة في هذا الجانب بمدى كفاءة الموظف قبل وبعد التدريب؟ وبالطبع كفاءة أداء المؤسسة قبل وبعد التدريب... لا يكفي أن نضع خطط تدريب ونصرف الأموال عليها ثم نعود أدراجنا بعد عام كامل من الجهد والعناء لنقوم بتصميم خطط جديدة، دون قياس الأداء المتحقق من عمليات التدريب الفائتة، ومن المفترض كما أسلفت في مقالات سابقة، أن تعطي الإدارة العليا في المؤسسة اهتماما واضحا وملموسا لهذا الأمر.
يمكنكم ملاحظة أن الإجابة على هذه الأسئلة تطلب أدوات عملية ذات كفاءة واضحة في تصميمها ونوعية النتائج والمؤشرات التي تعطيها، وبالتالي مستوى القرارات التي من المفترض أن تبنى عليها، لذا -قبل البحث في الأطر والنماذج والأدوات التي تمكننا من الإجابة العلمية والعملية على مثل هذه الأسئلة- أود التأكيد على أهمية قناعتنا كمشتغلين في قطاع التدريب للأخذ بنتائج التقييم واتخاذ قراراتنا المستقبلية في ضوء تلك النتائج، لا بناء على ما نعتقد نحن أنه صحيح... بنية حسنة، وليس بالنوايا الحسنة وحدها يتحقق العمل المؤسسي الرائد!
هناك 9 تعليقات:
صباح النشاط
أستاذ أحمد هنا بدأت أفهم وأتقبل أفكارك الجديدة كفرد ينتمي للشرق الأوسط ..أستقرئ توغلك شيئاً مّا في أساسيات الخلل الإداري والذي كان الموضوع السابق مدخل لهذه المادّة التي كم ستساهم في التقدم على أن يستوعب مشتغل القطاع هذه المادة ويُساهم في تقديمها وتبسيطها لإدارة المؤسسة
أستاذي اسمح لي
بسؤال لنكن واقعيين.. هل ستكون المؤسسات مستعدة لاستيعاب أساليب جديدة مطورة لتساهم بالتطوير بهذا النهج المتوسع؟
مجددا ودائما، مرحبا بك أختي/ رحمة.. أشكرك لمتابعتك و لطرح أسئلتك "التفاعلية".. أعجبتني "سالفة" فرد من الشرق الأوسط، الأمر ليس له علاقة بشرق أو بغرب، المسألة برمتها متعلقة بالسؤال الكبير والملح، هل نريد لمؤسساتنا أن تعمل ع البركة وثقافة (مشي حالك) أم تعمل وفقا للنظم والأطر والأساليب العلمية التي أثبتت نجاعتها، وأن نبدأ من حيث انتهى الآخرون؟
بالنسبة لسؤالك، المؤسسات ليست (مخيرة) في استعدادها وتقبلها لاستيعاب الأساليب الجديدة والمطورة، هي إما أن تكون مؤسسات تعمل بنظم مؤسسية تحترم معايير الجودة والانتاج بما فيها معايير التدريب وتنمية الموارد البشرية، وإما أن تكون شيئا آخر غير "مؤسسات).. وللصدق، ليست كل مؤسساتنا العربية جاهلة بهذه المعارف والمهارات، لكن معاناة بعضها يكمن في (ثقافة المؤسسة) والسلوك التنظيمي التي يحكم طريقة عملها، لذا نحن في أمس الحاجة اليوم إلى (قادة) لا مدراء... أرجوووكم قادة لا مدراء!
شكرا جزيلا يا رحمة، اسئلتك بحق ملهمة..
أعود لأُعقّب ^ ^
تعقيبك واضح جداً بالنسبة لتعليقي وسالفة (الشرق الأوسط) أستاذي أعني أن تنمية الموارد البشرية في أوربا أساس الأنطمة بل -وكما تعلم - وفي تتطور وتجديد لذلك نرى تحسّن متعاقب, ولكن مجتماعاتنا العربية يتم قمع هكذا مواد بل والتسفيه كُل ذلك درئاً لكل تقدم عربي فكرياً و مهنياً ..إلخ
لذا تجد الأسئلة هُنا مثيرة للجدل بين الواقع والمأمول الواقع مفروض والمأمول مرفوض وأنت أثرت نقطة جداً مُهمة وهي (ثقافة المؤسسة) أعتقد هذه معضلة بحاجة لمواد مخصصة لمعالجتها و لتستوعب أطروحاتك القيّمة
أنا هُنا لأستفيد من أفكارك المُذهلة :)
كلا يا رحمة، إسمحي لي بالإختلاف معك في هذا المستوى من التشاؤم، لسنا أسوأ الأمم والمجتمعات في تطبيق المعرفة والنهوض بمؤسساتنا، انظري حولك ستجدين هناك مؤسسات عربية (حكومية وخاصة) تبوأت مكانة متقدمة ومدهشة في عالم يتسم بالتنافسية الشديدة، لا يمكن أن يحدث هذا صدفة.. كل المؤسسات العربية (المصرفية والإعلامية والعلمية والإجتماعية وشركات الطاقة وغيرها وحتى المؤسسات الخيرية والدعوية) لا يمكن أن تكون قد حققت نجاحها بغير التطبيق العملي لمعارف وأساليب واتجاهات القيادة الحديثة... وأتفق معك في حساسية وخطورة (ثقافة المؤسسة)، وللأسف لو طرحنا أسئلة شبيهة للمدراء وللقيادين في بعض المؤسسات، سنجدهم غير مبالين ولا عارفين أصلا بما هي المبادىء والأسس التي تقوم عليها ثقافة مؤسساتهم.. الثقافة السائدة تكون (خلص نفسك) (مشي حالك) (الأمور بتمشي في كل الأحوال)!!
أحييك على تفاعلك وأحترمك في اختلافك مع وجهة نظري إنما يدل ذلك على حرصك الحقيقي على التغيير ..صحيح كما قلت بعض المؤسسات ناجحة ولكني حين أقول لا يتم تفعيل مثل هذه المواد في بعض المؤسسات فأنا لا أقلل من شأن جميع المؤسسات العربية بل عيني على غالبية المؤسسات ألا ترى أنها تُعاني من تقصير وهنا أقصد(الطبقة الفوقية)التي تُساهم بشكل كبير في تفعيل أو تسفيه الموارد البشرية وهي الطبقة نفسها التي ستساهم في تثقيف رؤساء المؤسسات ..
أخيراً أعجبتني عبارتك (نحن في أمس الحاجة لقادة لا مُدراء أي لا رؤساء)
سؤالي هل يُمكن أن أشطب وجهات نظري كلها وأبدأ من نفسي حتى لو كنت أشغل كرسي صغير في مؤسسة كبيرة بل وكبيرة جداً ؟
أهلا، أختي رحمة
(الطبقة الفوقية) دعينا نعيد تسميتها ب (الإدارة العليا)، أليس كذلك؟ .. بالطبع مشاركة الإدارة العليا وتحفيزها عامل مهم وحاسم في أغلب أنشطة المؤسسة، وفيما يتعلق بتنمية الموارد البشرية أو إدارة الجودة في المؤسسة، فإن إلتزام الإدارة العليا ونشاطها وممارساتها دائما يشار إليه في كل الدراسات في هذا الجانب.
نجاح المؤسسة قائم على الإحساس بالمسئولية المشتركة بين الموظفين، لذلك وجهات نظرك ومبادئك الشخصية والمهنية مؤثرة بشكل مباشر وغير مباشر على نجاح مؤسستك، وأنت من تختارين كيف سيكون تأثيرك على أداء وثقافة البيئة التي تعملين فيها، عليك أن تهتمي ب (دائرة التأثير) التي تمارسين من خلالها عملك وقدراتك مهاراتك.. مهما كانت دائرة تأثيرك صغيرة فهمي مهمة، والناس الأكثر فعالية هو الذي يوسع باستمرار دائرة تاثيره!
أعتقد أنني استوعبت
الرسالة بشكل جيد وأصبحت الصورة واضحة ,,سأبدأ من تمحيص المبادئ الشخصية ومتطلبات المؤسسة ثم يأتي التركيز
على توسعة دائرة التأثير
شكراً لجهدك أستاذي استمتعتُ بالحوار
حقاً أنها مدونة مفيدة جداً
شكراً لك :)
تابعت الحوار والتفاعل، شكرا للأخت رحمة وشكرا للأستاذ أحمد.. في الحقيقة، أنا أشرف على عدد 25 موظف ألتحقوا بالشركة التي أعمل بها من أشهر، ومطلوب مني إني اضع لهم خطة تدريب لمدة سنة وهذه المرة الأولى التي تأتيني مهمة كهذه، وما شاء الله، صار لي أسبوع أدخل الانترنت علشان هذا الموضوع علشان اجد أي شيء يساعدني في القيام بمهمتي بنجاح وما أريد أسوي أي والسلام او كما قلت أستاذي (مشي حالك)، وحقيقة استفدت من مدونتك ومن مواقع أخرى فجزاك الله خير الجزاء
أهلا بك أخي العزيز/ سمير.. أنا سعيد جدا لأنك وجدت شيئا مفيدا في المدونة.. تشرفني عودتك.. سأكون ممتنا لك لو أخبرتنا لاحقا عن تجربتك الجديدة، التحديات التي واجهتك والفرص التي خلقتها في مؤسستك والنتائج التي تحققت.. شكرا لك
إرسال تعليق